top of page

أوهام المعرفة

تاريخ التحديث: 18 أغسطس 2023


ree

تعريف الوهم المعرفي هو مفهوم بالغ الأهمية في البحث الفلسفي، حيث قد أشار العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ إلى أنه ليس الجهل هو العدو الأكبر للمعرفة، بل هو الوهم المعرفي. وفي سياق هذا المفهوم، يمكننا استكشاف تأثير الانحيازات البشرية لدى الأفراد وكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة على نطاق واسع. غالبا، تظهر هذه الأوهام بكثرة في العالم الحديث وما يعرف بعصر المعلومات؛ حيث يتميز هذا العصر بكميات هائلة من المعلومات التي تكون متاحة وسهلة الوصول إليها من خلال الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية. كما أن البيانات والمعلومات تُستخدم في جميع جوانب الحياة، من الأعمال والحكومات إلى البحث العلمي والحياة الشخصية. ولكن مع ذلك تأتي ضرورة للتعلم والتكيف مع الكميات الكبيرة من المعلومات والبيانات والأنظمة التكنولوجية الجديدة.

[1]: هوكينغ, ستيفن. "الجهل والوهم المعرفي." مصادر الفيزياء الفلسفية.


الوهم المعرفي هو أحد مفاهيم علم النفس الاجتماعي وهو مصطلح يشير إلى تحيز معرفي يتعلق بتصور الأشخاص لقدراتهم الذاتية أو معرفتهم بناءً على معتقدات غير واقعية أو غير دقيقة. ببساطة، هو الاعتقاد الخاطئ بأننا نعرف أكثر مما نعرف حقًا، كما إن العديد من الأشخاص الذين يعانون من الوهم المعرفي يظنون أنهم قادرون على تقييم الحقائق والأحداث بشكل أكثر دقة وموضوعية مما يمكنهم فعلياً. يمكن أن يقود هذا التحيز إلى قرارات غير موفقة وارتكاب أخطاء جسيمة، ويوجد نوع مشهور من الوهم المعرفي وهو "التأثير الدانينج-كروجر"، حيث يتقيم الأشخاص ذوو الكفاءة المنخفضة قدراتهم كأكثر من الواقع، في حين أن الأفراد ذوو الكفاءة العالية قد يقيمون قدراتهم أقل من الواقع.


أغشى الوهم المعرفي نظرة الإنسان العربي، تارة يرى في قدراته ما ليس فيه، وتارة ينكر منها ما هو موجود. على الرغم من القيم العقلانية التي يجسدها التراث العربي، إلا أن الوهم المعرفي ما زال يهيمن على كثير من التصورات، مما يتطلب استشعاراً أكبر للواقع وتقبل أكثر بالنقد الذات، مما يمكن أن يساهم في تحقيق التقدم المعرفي بالفهم العميق للجوانب الصحيحة في آراء الآخرين، وبفضل هذا التفهم المعرفي، سنتمكن من التحفيز على التطور العقلي وتعزيز النمو الفكري للإنسان العربي في مجتمعاتنا المعاصرة.

[3]: المركز العربي للأبحاث. "فهم الوهم المعرفي وتحديد حجمه." تطبيقات الفكر النقدي.

ree

في عالم الفلسفة المعرفية، يظهر علم بسيولوجية العقل الوهّم مصاعب تتعلق بالبحث عن المعرفة الحقيقية والصحيحة، وهذا التشتت الذهني يؤدي إلى مواجهة قوى وطبيعة القيم المعرفية ويعبر عن تحدي لمن يعدرون جوهر المعرفة، ويبعث القلق حينما تمارس هذه التجارب المعرفية المشوشة من قبل أفراد لهم تأثير كبير داخل المجتمعات والمؤسسات العلمية أو عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية. يظهر العقل الوهّم على نحو ثلاثي متكامل يتعامل مع الإدراك، التفكير، والتصرف.


أولاً، تنتج صعوبة الإدراك المتوهمة عدم دقة في تصور المعلومات المحيطة وعدم استيعاب الإشارات ولغة التواصل المتبادلة بين الأفراد.


ثانياً، يشكّل التفكير الوهّمي حائلاً أمام التفهّم الواقعي والتعاطف مع الآخرين، ماجعلهم يستسلمون للنظرة الإلزامية باعتبارها المعيار لصنع القرارات.


أخيراً، ينتج عن التصرف الوهّمي الاستجابة الفعالة لرغبات الآخرين، وفي الوقت ذاته قد يفشل في تحقيق التوازن المطلوب بين المعرفة الحقيقية والتحليلات اللاوعية الشخصية. إذاً، فإن العقل الوهّم يعتبر تحدياً للمعرفة وتأثيراته تتجلى على صعيد الإدراك والتفكير والتصرف.


ree

عند النظر إلى المشكلات الرئيسية التي تؤثر على الإدراك والتفكير والتصرف، نجد أن لدينا خيارات متعددة لمعالجتها، يمكننا استعراضها بمنظور فلسفي نقدي:


أولاً، بالمواجهة للتحديات الغامضة للإدراك، من الممكن استخدام الادوات الفلسفية المتاحة مثل التفكير النقدي والاعتراف بالفهم الذاتي. هذا يستلزم احترام قدرة الفرد على التساؤل النقدي حيث يتأملون في مصادر معرفتهم، يصقلون قدراتهم على البحث عن الأدلة، يقدرون قيمة الخيارات البديلة، و يأخذون في الاعتبار أن التصور الذاتي قد يتعرض للتشويه بسهولة. هنا، الدليل الذي نقدمه يكمن في الأبحاث التي تؤكد على أهمية التفكير النقدي والقدرة على التعلم الذاتي في تكوين فهم صحيح.


ثانياً، بالنظر إلى التحدي الذي يفرضه التوجه الوهمي في التفكير، قد يكون الحل يرتكز على تعزيز مهارات التواصل والتعاطف. في هذا السياق، تشير الكثير من الأبحاث إلى أن القدرة على فهم الآخرين وتقاسم تجاربهم تسهم في تحقيق توازن فكري-عاطفي أكثر. هذا يتطلب تحسين القدرات الاستماعية، وتطوير الثقة في النفس والتجرد من التحيزات الشخصية.


وأخيراً، في مجال التصرفات الوهمية، يدعم الفهم الفلسفي للإنسانية مبدأ إدارة العلاقات بناءً على الحقيقة والواقع. هذا يتطلب تحسين مهارات التواصل الاجتماعي والتفاوض، مع وضع الحدود الصحية والحفاظ عليها. الأدلة التجريبية تشير إلى أن هذه المهارات هي المفتاح لقيادة حياة اجتماعية سلمية ومثمرة. النهج الإجمالي للتغلب الوهم المعرفي يتطلب نهجًا تعليميًا يتمحور حول توضيح الناس عن التحيزات المعرفية وكيفية التعامل معها. الحل يتطلب الاستمرار في التعلم وتطبيق تلك الأفكار في الحياة اليومية.


بينما يقع الستار على مقالنا، يجب التذكر أننا نعيش في عصر يمتاز بثقافة المديح المفرط للعلماء والخبراء على وسائل الإعلام الاجتماعية، مما يمكن أن يؤدي إلى إحساس بالقلق لدى البعض الذين يشعرون بأنهم لا يملكون معرفة مكافئة. الخطر الحقيقي يمكن أن يتجلى في الإيمان بأننا نحمل معرفة أكبر مما هي في الواقع، وهو اعتقاد يمكن أن يضللنا ويدفعنا للمشاركة في نقاشات لا نمتلك فيها خبرة كافية.


من الهام جداً ألا نسمح لتألق الآخرين بتحقيق تشابك الخيال بالحقيقة، وأن تشعر بأنك تحتاج إلى المزيد من المعرفة أمر مفهوم وطبيعي، والحل ليس في تحبيط غيرك أو المقارنة التنافسية، بل في تقبل أن كل فرد لديه وقته الخاص للنمو والتعلم والتطور.


نحن جميعاً في رحلة معرفية خاصة، والغاية يجب أن تكون زيادة الثقافة والمعرفة وليس استخدامها كوسيلة للتفوق على الآخرين. فالمعرفة في حد ذاتها هي أداة لتطبيقها بحكمة في تعزيز التطور الشخصي وخدمة المجتمع. وبما أننا نقترب من الختام، فلنتذكر الحكمة الكامنة خلف القول القرآني السامي وصدق قول الله تعالى «وفوق كل ذي علم عليم».


بحث وتحرير: أ. بندر الدوسري

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم

الفكرة

نموذج الاشتراك

شكرا للتقديم!

©2025 by bandarion.com

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
bottom of page